عادة عندما أبدأ بكتابة أي مقال فأن لهذا المقال سبباً، أو موقفاً حدث معي أو لاحد أعرفه، أو لأمر أستجد، فوجب الكتابة عليه، والخربشة على جدران المدونة، ولكن مقالي هذا من أكثر المواقف تأثراً، ومن أكثر اللحظات صدقاً مع النفس، وذلك لأن العبرات التي تنسال من مقلتينا، تنسال لحزن شخصي ألم بنا، وسرعان ما يلبث المريء أن ينسى هذا الحزن، أو الموقف الكئيب الذي حدث معه، وأحياناً تجد رجالاً لا تنسال منهم عبرة إلا عند أحلك المواقف والظروف، ويحبسون دمعتم أمام أعز الناس، ولا تنسال العبرة إلا خلسة خلف الجدران.
صدقوني أن الدموع لا تنحصر على عالم النساء، ولكنها موجودة في عالم الرجال، ولكنها دموع تنسال لتهز كيان الرجل من الأعماق، وسرعان ما تجف دموع الرجل ويحبسها بمجرد شعور أحد قد اقرب من باب الغرفة، ولكن الأمر الذي سأتحدث عنه أكثر تعقيداً، وأكثر حساسية من نزول بعض قطرات الدمع على خديّ رجل أو امرأه، إنها دموع القلوب، التي لا تندمل ولا تتوقف عن الزف مع مرور الوقت، وعادة هذه الدموع لا تظرف على موقف شخصي، وإنما على موقف أو مواقف لأناس قد تعرفهم، أو لا تعرفهم، تتساقط الدموع من قلبك خلسة بدون شعور، وتنعكس عليك بالتصرفات والكلمات التي تطلقها من حيث لا تشعر.
فرؤية طفل لا يتجاوز العشر سنوات يشتم الذات الالهية على قارعة الطريق، تجعل القلب يظرف دماً بعد ظرفه للدموع، فأين ذويّ هذا الطفل من هذا التصرف الأرعن، والذي يجعل هذا الطفل يسير منذ نعومة أظافرة إلى بوابة جهنم بخطى ثابته، والمصيبة أن الشيطان يترنم ويرقص طرباً من مثل هذه العينات - رغم قلتها - ولكن القلب يعتصر ألماً، ويبدأ الشيطان مع مرور الوقت يزعزعه عن فطرته ويسلك طريق الشيطان بكافة الوسائل والطرق، فيبدأ يقع في حفرة الرذيلة إلى أن يصل في النهاية إلى الاحاد والعياذ بالله.
إن رؤية سائق يتسابق مع الريح لكي يصل لفتاة، ويوصلها للمكان الذي تقصده، لهو قمة المأساة، فيبدأ السائق بتوزيع الابتسامات المجانية للفتيات، فلو قمت أنت بطرح السلام عليه وأنت تسير لكشرّ بوجه كما يكشِر الأسد أمام رؤية طريدته، إن هذا الأمر ليجعل قلبك يظرف دمعاً لما آلت إلية الأمور.
إن رؤيتك لشاب يشتم أبويه وأمه، لتجعلك تظرف الدموع القلبية وتشعربقرب هلاك هذه الأمة، أكاد لا أصدق هذا التصرف لولا رؤيتي له بأم عيني، فكيف يا هذا تشتم امك وأباك، و لقد وصانا بهما رب العزة في كتابه الحكيم، ألم تعلم بأن ما تفعله بأمك وأبيك سيفعله بك أبناؤك، فاتق الله أخي المسلم.
إن رؤيتك لفتاة متبرجة، لا تخاف الله في لباسها تجعل قلبك يظرف الدمع الغزير، فكيف بك اختي المسلمة يامن على كاهليك ستبنين مجد هذه الامة، تريدن بشابنا الألتزام، وأنت تفتتين من عضدهم بلباسك السافر الماجن، فما هو شعورك وأنت تثيرين غرائز شبابنا، وتلقين بهم في مستنقع الرذيلة، والأدهى والأمر بأنك قد تشاهد امرأة متزوجة متبرجة في الشارع، ولا تتبرج لزوجها في البيت وتنام بجانبه ورائحة البصل تملأ فاها.
أيكفي ما قلت من دمع القلوب، ام أكتب لكم مقالي هذا وأنهيه بعد شهر وأنا أذكر لكم كيف أن القلوب هي التي تدمع، وليس العيون، فلنتقي الله في أنفسنا وفي أولادنا وزوجاتنا، ولنأخذ الدروس والعبر من غيرنا، هدانا الله واياكم لما يحب ويرضى، وصلي اللهم على نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم-