بسم الله الرحمن الرحيم
ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
انتشار الإسلام في بلاد المغرب
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
تمهيد
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
في بداية العقد الثاني من القرن السابع للميلاد، بعث الله عز و جل محمدا صلى الله عليه و سلم بدين الحق إلى الناس كافة بشيرا و نذيرا، فجاهد صلى الله عليه و سلم في سبيل تبليغ الرسالة زهاء ثلاثا و عشرين سنة، ثم التحق بالرفيق الأعلى بعد أن حمل صحابته مسؤولية و أمانة تبليغ الدعوة التي كلفه الله عز وجل بنشرها.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
و نفذ الأصحاب وصية نبيهم صلى الله عليه و سلم فشرقوا بهذا الدين و غربوا و خرجوا في سبيل الله يبلغون الدين فكان من فضل الله ثم من فضل هؤلاء الأصحاب إن استضاء مغربنا بنور الإسلام و اعتنقه أبناؤه ثم حملوا نصيبهم من تبليغه إلى ما وراء البحار و إلى فيافي القفار و الصحراء.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
سيرة الفتح الإسلامي:
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
اهتم عمرو بن العاص رضي الله عنه بفتح افريية بعد فتحه مصر مباشرة، فأرسل سنة 21 للهجرة الموافق لسنة 642 للميلاد قوة إلى برقة بقيادة الفاتح العظيم عقبة بن نافع الفهري ، ففتحها و أسلم على يديه جماعة أعجبوا بعمق إيمانه و استقامة سيرته، وواصل عقبة الفتح حتى وصل إقليم فزان.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
واكتفى عمرو ابن العاص بالنجاح الباهر الذي أحرزه عقبة في برقة لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منعه من التغلغل بالأجناد في فيافي الصحراء و مجاهل افريقية شفقة منه رضي الله عنه على المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
حملة عبد الله بن بن أبي السرح عام 28 للهجرة 648 للميلاد:
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
لما تقلد عثمان رضي عنه الخلافة عزل عمرا عن ولاية مصر وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وأذن له بفتح افريقية وأمده بجيش من أبناء الصحابة و أبنائهم رضي الله عنهم، والجدير بالذكر أن عبد الله بن ابي السرح لما ولي مصر اقر عقبة على ولاية إقليم برقة و كل البلاد التي فتحها و كانت تعرف باسم افريقية و إنما أقره في ولايته لما عرف عنه من ورع وزهد وتقوى و تجرد للجهاد.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
قاد عبد الله بن أبي السرح حملة على افريقية و شاركت حامية برقة بقيادة عقبة و أحرزت انتصارات رائعة كان أعظمها الانتصار الباهر في سبيطلة بتونس، عام 28 للهجرة648 للميلاد حيث قتل المسلمون الحاكم الروماني جرجير أو جرجيريوس و قتل ما لا يحصى من جنود الروم البيزنطيين وكان نصرا مؤزرا لأجناد الإسلام في هاته الربوع المغربية، لكن أمراء الجند لم يستغلوا و لم يحتفظوا بهذا النصر العظيم لأن كتائب المسلمين عادت إلى قواعدها في مصر قانعة بما نالت من غنائم كثير و صالحوا الأمازيغ على دفع الجزية.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
استغلت بيزنطة انسحاب المسلمين من بلاد تونس و أرسلت عساكرها يعيثون في بلاد البربر فسادا و فرضوا على الأمازيغ ضرائب و مغارم كثيرة و باهضة حتى كرهتهم جموع البربر و ضجوا بهم و تؤكد المصادر و الروايات أن أعيان الأمازيغ أرسلوا وفدا إلى المدينة المنورة يشكو إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه ما حل بهم من ظلم الروم...
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
لكن الخليفة عثمان رضي الله عنه لم يكن في وسعه عمل شيء لصالحهم بسبب الفتنة التي أشعلها ضده أهل الظلم و الفساد و الزندقة و الإلحاد حتى قتلوه رضي الله عنه و هو قائم في المحراب و يكفيه شرفا أنه من العشرة المبشرين بجنة الرضوان و هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ارض عن عثمان فاني عنه راض"
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
حملة معاوية بن خديج عام 45 للهجرة 666 للميلاد.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
توقفت الفتوحات الإسلامية في جميع الجبهات و بقي القادة و الولاة في أماكنهم ينتظرون انبلاج الصبح بسبب الفتن التي عصفت بالمسلمين و أدت إلى مقتل عثمان رضي الله ثم مقتل علي رضي الله عنه وكانت على المسلمين ليلة ظلماء.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
ولكن لما استتب الأمن وعاد النظام و خلصت الخلافة إلى سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمّن البلاد وشرع مباشرة في استئناف عملية الفتوح فعين معوية بن خُديج على ولاية مصر سنة 44 للهجرة 665 للميلاد و كلفه بفتح افريقية بعد أن أمده بالعدة و العتاد و جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل من كبار الصحابة و أبنائهم و كان في هذا الجيش عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير و عبد الملك بن مروان.... وغيرهم من خيرة الصحابة الفرسان و التابعين الشجعان.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
تقدم الجيش إلى تونس بقيادة عبد الله بن أبي السرح بفرقة من الجيش فتراجع البيزنطيون أمامه و تقهقروا إلى سوسة هاربين فارين و هناك في سوسة أدركهم البطل عبد الله بن الزبير ولاحق جموعهم و مزق فلولهم و أجبرهم على ركوب البحر فارين مولولين حتى نزلوا بشواطئ صقلية يحملون أشلاء الخيبة و الذل و الخسران ... و لم تكن هذه الحملة بأحسن من سابقتها لأن المسلمين عادوا إلى مصر .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
حملة عقبة بن نافع الأولى 50 للهجرة 670 للميلاد
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
أدرك معاوية بن أبي سفيان أن عقبة هو رجل افريقية كما أدرك عقبة بدوره أن فتح افريقية لا يتم إلا باستقرار المسلمين فيها لهذا بادر رضي الله عنه عند دخوله افريقية عام 50 للهجرة بادر ببناء مدينة القيروان التي أتمها و أكملها في خمس سنوات تقريبا كان خلالها لا يهدأ و لا يستريح بل كان يرسل السرايا و البعوث و لم يكن يترك لأعدائه البيزنطيين فرصة للراحة .... ببناء القيروان أخذت مقاطعة افريقية تأخذ مكانتها بين الولايات الإسلامية بل و أصبحت القيروان رابع حاضرة إسلامية بعد الكوفة و البصرة و الفسطاط ...
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
حملة أبي المهاجر دينار سنة 55 للهجرة 674 للميلاد
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
كان مسلمة بن مخلد بينه و بين عقبة شيء فعزل عقبة عن ولاية افريقية و بدلا من ذلك ولى عليها مولاه أبا المهاجر دينار. أبو المهاجر دينار لما قدم افريقية قبض على عقبة و قيده في الحديد و سجنه ... وأساء إليه ... المهم أن أبا المهاجر في الحقيقة كان رجلا كفؤا لما كلف به و كان قادرا على المهمة الملقاة على عاتقه فنشط للعمل بعد أن وجد الطريق ممهدا ....مهده عقبة من قبل بنى أبو المهاجر دينار مدينة جديدة و أهمل القيروان و صار يخرج للغزو و الجهاد و تغلغل بالفتح في الجزائر و اتخذ مدينة ميلة مركزا لتحركاته و عملياته وذلك بعد انتصاره الكبير سنة 59 للهجرة و الحق المؤكد أن أبا المهاجر دينار هو أول من وطأت أقدامه تراب الجزائر من الفاتحين.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
استطاع هذا القائد أن يستميل قبيلة أوربة البربرية و أسلم ملكها كسيلة بن لمزم و صار صديقا لأبي المهاجر و قائدا من قواده. حاصر أبو المهاجر معسكر البيزنطيين في قرطاجة حتى تنازل الروم عن جزيرة "شريك" ثم مضى بالجنود و من أسلم من البربر يواصل الفتح إلى أن بلغ نواحي تلمسان.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
حملة عقبة بن نافع الثانية 62 للهجرة 682 للميلاد
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
لما تقلد اليزيد بن معاوية مقاليد الخلافة أعاد عقبة بن نافع إلى ولاية افريقية، وكان قد عزله عن ولايتها مسلمة بن مخلد، مسلمة بن مخلد هذا عين مولاه أبو المهاجر دينار .... عاد عقبة إلى ولايته سنة 62 للهجرة و قام رضي الله عنه بعمل نذكره للأمانة التاريخية و نحن نحب عقبة و نجله، المهم أن عقبة لما دخل افريقية قام بسجن أبي المهاجر دينار وكذلك صديقه البربري كسيلة بن لمزم وكان ملكا على أوربة من قبائل البربر
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
انطلق الفاتح العظيم من القيروان في حملة عسكرية من اكبر الحملات العسكرية التي عرفتها الفتوحات الاسلامية، خرج عقبة من القيروان بهذه الجيوش و خلف على القيروان واحدا من كبار الشجعان الفاتحين، زهير بن قيس البلوي، أعود و أقول أن عقبة خرج من القيروان و أخذ معه أبا المهجر و كسيلة ... أخذهما و هما مكبلين في القيود .... اصطحبهما معه و هما أسيرين في الحديد و كان لهذا الخطا عواقب وخيمة سنتعرض لها لاحقا....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
المهم أن عقبة خرج في هاته الغزوة العظيمة كالسيل الزاحف لا يقف أمامه شيء إلا حصده حصدا حتى قضى على جميع الحصون البيزنطية و من كان من حزبهم من البربر و الامازيغ وتساقطت في يده كبريات مدن الساحل و الداخل ، حتى بلغ البحر المحيط .... المحيط الاطلسي وهناك تقدم عقبة رضي الله عنه و خاض بفرسه في المحيط و حمد الله الذي منحه هذا النصر العظيم و تمنى لو أن وراء هذا البحر أناسا لخاضه بفرسه إليهم حتى يدعوهم لدين الحق....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
بعد هذا النصر الكبير اطمأن عقبة ورأى أن البلاد صارت آمنة فأذن لجيشه بالتفرق و الرجوع إلى افريقية (تونس) فسبق الجيش عقبة و لم يبق معه إلا قلة قليلة من نخبة الجيش قدرها كتاب السير و المؤرخون بحوالي 300 ثلاثمائة رجل منهم الكثير من الصحابة و التابعين....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
وأثناء رحلة العودة إلى القيروان استطاع كسيلة بن لمزم أن يفلت من قيوده ولم يتفطن عقبة لذلك، فما بلغ مدينة تهوذة كان كسيلة قد جمع من قومه و من الروم ما يكفي لإبادة القوة القليلة التي كانت مع عقبة، فكمنوا له في طريق عودته ولكن عقبة صمد لهم كالأسد الضرغام و ثبت لهم ثبات الأبطال.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
فك عقبة القيود عن أبي المهاجر وطلب منه أن ينجو بنفسه قائلا الحق بالقيروان يا أبا المهاجر و قم على شؤون المسلمين هناك و أنا أغتنم الشهادة، فأجابه أبو المهاجر قائلا ولكني أريد الشهادة أنا أيضا. فقاتل الرجلان معا قتال عز في التاريخ نظيره وسقطا رضي الله عنهما شهيدين إن شاء الله جنبا إلى جنب واستشهدت الفرقة بأكملها لم ينج منهم غير رجل واحد
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
و قد أقيمت قرية في المكان الذي استشهد فيه عقبة و أصحابه رضي الله عنهم و هي باقية إلى اليوم بنواحي بسكرة ، قرية سيدي عقبة وكذلك المسجد الذي أقيم في ذلك المكان وقبور هؤلاء الصحابة باقية تشهد لهم أنهم فعلا خرجوا في سبيل الله وبلغوا هذا الدين وشرقوا به و غربوا ....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
و بعد هذه الكارثة زحف كسيلة على القيروان فاحتلها بعد أن خرج منها زهيربن قيس البلوي و كان عقبة قد خلفه عليها، فخرج منها زهير و من معه من المسلمين و عادوا إلى برقة فأقام هناك ينظر و ينتظر تعليمات الخلافة في دمشق و يرقب أحوال افريقية ....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
حملة زهير بن قيس البلوي سنة 69 للهجرة 688 للميلاد.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
ظل زهير في معسكره ثلاثة أعوام يراقب و يترقب و كانت الخلافة مشغولة بأحدا كربلاء و مكة و المدينة و خروج عبد الله بن الزبير و الحسين بن علي رضي الله عنهما في أيام اليزيد بن معاوية ... وكانت أحداثا تدمي القلوب ... المهم نتقيد بالبحث ....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
آلت الخلافة بعد يزيد إلى البيت المرواني و بالضبط إلى عبد الملك بن مروان، عبد الملك بن مروان شاور أهل الرأي و الحيلة فيمن يخلف عقبة على ولاية افريقية .... فأشاروا عليه بأن زهيرا ابن قيس البلوي هو خير خليفة لعقبة و بالفعل عينه عبد الملك بن مروان على ولاية افريقية و كان هذا الاسم يطلق اعتباطا على بلاد المغرب في أيام الفتح الاولى....
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
وجاءت الأمداد والجيوش إلى برقة تحمل الأوامر السلطانية إلى زهير بأن يغزو بلاد البربر و يستنقذ منهم ما أخذوه يعني بذلك القيروان و أطراف الجزائر.... زحف زهير بجيوشه على المواقع البيزنطية فاكتسحها و دمرها كالريح العاصف ثم هاجم كسيلة ، فأخذ كسيلة يتراجع و ينهزم حتى أدركه زهير عند موضع يقال له "ممش" فقتله و هزم جيشه و شتته، ثم دخل زهير القيروان و أعاد تنظيمها و بناءها لان كسيلة كان قد احتلها بعد استشهاد عقبة في معركة "تهوذة".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
بعد هاته الانتصارات حن زهير إلى بلاد المشرق فقفل راجعا إلى برقة ... وفي الطريق ... طريق العودة صادفته جموع من علوج الروم البيزنطيين ... وكان بإمكان زهير الإفلات منهم، لكنه أراد استخلاص الأسرى المسلمين فاصطدم بجموع الروم وهبت رياح الشهادة تحمل نسائم الجنة .... و سقط زهير من جواده شهيدا إن شاء الله .... واستشهد كل من كان معه من الصحابة و التابعين ... حدث هذا في إقليم برقة و بالتحديد في مدينة درنة .... وقبورهم موجودة هناك إلى يومنا هذا وقد صارت مزارات .... عليها القباب ... والله المستعان
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
ولاية حسان بن نعمان 76 للهجرة 696 للميلاد.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
بعد انقضاء الفتنة التي استشهد فيها البطل عبد الله بن الزبير الذي كان قد خرج على بني أمية.... في أيام عبد الملك بن مروان، هذا الخليفة الاموي بعد فراغه من حرب ابن الزبير ولي على افريقية حسان بن نعمان و حسان هذا كان كما تذكره كتب التراجم قائدا جريئا لا يقل عن عقبة و زهير في استقامته و قوة إيمانه و حسن سيرته ...
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
أمد الخليفة هذا القائد بأربعين ألف مقاتل مجهزين مدججين بأنواع الأسلحة و العتاد ... فزحف حسان بن نعمان على حصون الوم و من حالفهم من البربر وصارت تتساقط في يده المدن و الحصون كأوراق الخريف حتى و صل حسان إلى أعظم حصونهم و أشدها تنظيما و حراسة و هو معقلهم الأكبر حصن قرطاجة عام 698 للميلاد .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
حاصر المسلمون هذا الحصن حصارا شديدا حتى أجبرهم على الانسحاب منه و الهروب إلى "اوربة" و لكن حسان لاحق فلولهم و دمر مدنهم تدميرا ... ثم واصل القائد حسان زحفه حتى بلغ أعماق الأوراس و كانت تملك البربر يوم ذاك امرأة تدعى الكاهنة "أوديهيا" من قبيلة جراوة و كانت هاته المرأة داهية بالفعل حيث أنها استدرجت حسان و جنوده إلى مخانق الجبال ثم هجمت و انقضت عليهم فزعزعت صفوفهم و أربكتهم و أجبرتهم على الانسحاب فلاحقتهم حتى أخرجتهم مرة أخرى من القيروان نفسها
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
فانسحب المسلمون إلى برقة وبعد خمس سنوات من الترقب و الحذر كانت أحوال الكاهنة اوديهيا تسوء و كان رعاياها من الامازيغ ناقمين عليها أشد النقمة فقامت بأعمال انتحارية حيث أنها خربت البلاد و أفسدت الثمار و الغلال حتى لايطمع فيها المسلون و حتى لا يعودوا إلى بلادها مرة اخرى
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
هاته الملكة كانت تظن أن المسلمين إنما أخرجهم من جزيرة العرب الجوع و العطش .... ولكنهم إنما خرجوا في سبيل الله داعين مبلغين حملين رسالة عجزت السماوات و الأرض عن حملها .... المهم أن البربر كرهوا الكاهنة و تمنوا زوال ملكها و كانت أخبار البربر تأتي إلى حسان في برقة كانت تأتيه مفصلة فعلم المسلمون أن الوقت صار مناسبا للزحف فبدؤوا يستعدون للجهاد و الفتح. وجاءت الأمداد من دار الخلافة فتحرك حسان إلى تونس سنة 81 للهجرة 701 للميلاد و أخذت هاته المرة جموع البربر الناقمين على الكاهنة أخذت هاته الجموع تنضم إلى جيش حسان .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
أدركت الكاهنة اوديهيا أن أيام ملكها قد صارت معدودة و أن ملكها إلى زوال فأذنت لمن أراد من قومها أن يلتحق بالمسلمين و طلبت الأمان لولديها و أرسلتهما إلى حسان الذي أكرمهما كأحسن ما يكون و أمرهما على قومهما من البربر و جعل كل واحد منهما قائدا على ستة آلاف مقاتل.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
أما أمهما فإنها أبت الاستسلام و بقيت مدة تناوش المسلمين و تحاربهم حتى قتلت في إحدى المعارك في المكان المعروف اليوم ببئر الكاهنة و بموتها زالت العقبات و تم النصر النهائي و فتح بلاد المغرب التي منها سينطلق البربر بدورهم حاملين لواء الإسلام إلى بلاد الأندلس .... سيأتي طارق بن زياد البربري الأمازيغي المسلم ليحمل راية الإسلام إلى اسبانيا و البرتغال و يصل المسلمون إلى مشارف باريس لولا النهاية المؤلمة التي انتهت عليها معركة بواتييه ... فلله الأمر من قبل و ممن بعد و الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ