عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى وحين يصبح :
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة . اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي
ومالي . اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي .اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي
حديث صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني
هذه الدعوات من جوامع الكلم ، حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد حفظها أصحابه ، ونقلها لنا الثقات .
وهي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة
والعفو هو التجاوز عن العبد بغفران ذنوبه وعدم مؤاخذته بما اقترف منها
والعافية هي
دفاع الله سبحانه عن عبده بأن يسلم من الأسقام والبلايا ومن كل مكروه
اللهم أني أسألك العافية في الدنيا والآخرة
و اللهم معناها : يا الله .
قال ابن القيم : يا الله أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى .
فالسائل هو العبد المؤمن ، والمسئول هو الله الذي بيده ملكوت كل شيء
والسؤال يتضمن إقرار السائل بعبادته لله وحده لا شريك له ويتضمن طلب
العافية في الدنيا والآخرة ، في الدين والدنيا والأهل والمال
ولقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالعافية ، وورد عنه لفظًا ومعنى من طرق عدة ، هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ،
فكيف بنا ونحن غرض ، بين
النفس والشيطان والهوى؟
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء بالعافية سبيل الفلاح والنجاح ، والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ولذلك فهو أحب الدعاء إلى الله عز وجل .
وعن أنس أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله : أي الدعاء أفضل ؟
قال : سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة .
ثم أتاه في اليوم الثاني فقال له مثل ذلك .
ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم علة ذلك للرجل
فقال ( فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في
الآخرة فقد أفلحت )
وقد جمع هذا الدعاء بين ثلاث مزايا : -
أولها : شموله لأمري الدنيا والآخرة .
ثانيها : أنه أفضل الدعاء على الاطلاق .
ثالثها : أنه أحب إلى الله تعالى من كل ما يدعو به العبد
وبالعافية تندفع عنك الأسقام ويقيك الله شرها ويرفعها عنك إن وقعت بك
وبالعافية يقيك الله شر ما لم ينزل من البلاء
والعافية تكون من أمراض البدن وأمراض القلوب سواء بسواء
وأمراض القلب ترجع إلى شيئين :
الأول : أمراض الشهوات ومنشؤها الهوى .
الثاني : أمراض الشبهات ومنشؤها الجهل .
والعافية منهما تكون بالإيمان واليقين والتوكل ، وبطلب العلم النافع والعمل بمقتضاه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يصبح وحين يمسى ثلاث مرات : (اللهم عافني في
بدني ، اللهم عافني في سمعي ، اللهم عافني في بصري ، لا إله إلا أنت ).
اللهم استر عوراتي
تضرع له سبحانه ليستر عورتك ، والعورة هي كل ما يخشى العبد أن يطلع عليه الناس
والعورة نوعان : حسية ومعنوية .
فالحسية : هي عورة الجسد وعورة الأهل .
والمعنوية : هي الذنوب والآثام .
وآمن روعاتي
الروع هو الفزع
والشعور بالأمن نعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من افتقدها
إن نعمة الأمن والستر من تمام العافية ، ولا يملك ذلك إلا مالك الملك الذي يستر العورات ويؤمن
الروعات ويحفظ عبده من كل مكروه وسوء
ولا يكتمل أمن المسلمين إلا بتطبيق شرائع هذا الدين فإن فيها العصمة لبدن المسلم وعرضه وماله
ودينه وعقله ،
والأمن التام يكون يوم القيامة للمؤمنين في الجنة دار السلام فيحل الله رضوانه على أهل الجنة فلا
يسخط عليهم أبدًا ويجد المؤمن البشارة عند موته
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
فصلت الآية :30
ولكي يتحقق هذا الأمن التام ، فلابد من حفظ الله ومن ستر الله تعالى ، ولهذا اختم هذا الدعاء بطلب
الحفظ
اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن
أٌغتال من تحتي .
وكل هذه مقدمات لتحقيق الأمن التام في الدنيا والآخرة لأن الله لا يحفظ إلا من حفظ حدوده .
احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك .
والله تبارك وتعالى يسخر الملائكة لحفظ عباده في الدنيا فلا يصل إلى عبده إلا ما كتبه الله .
لَهُ مُعَقِبَاتٌ مِن بَينِ يَدَيِه وَمِن خَلْفِهِ يَحْفَظْونَهُ مِن أَمْرِ الله .
أي يحفظونه بأمر الله .
أما الحفظ في الآخرة ، فهو حفظ النفس والبدن من الوقوع في نار جهنم ، والعياذ بالله .
ومِنْ حفظ حدود الله ، حفظه الله تعالى
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .